هل ثبت أن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً ، فيستحب الإطعام عنهم تلك الأيام ؟
كاتب الموضوع
رسالة
Admin Admin
عدد المساهمات : 303 تاريخ التسجيل : 27/01/2012 الموقع : https://samagroup.ahlamontada.net
موضوع: هل ثبت أن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً ، فيستحب الإطعام عنهم تلك الأيام ؟ الإثنين يناير 30, 2012 3:05 pm
السؤال: أنا أحد طلبة العلم من القوقاز جمهورية أنغوشيا , أفتوني في هذه المسألة مأجورين ، فإن الصوفية في بلادنا يستدلون بهذا الأثر في استحباب إطعام الطعام عن الميت ، فما مدى صحة هذا الأثر : قال الحافظ أبو نعيم في الحلية : حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، ثنا هاشم بن القاسم ، ثنا الأشجعي ، عن سفيان قال : قال طاوس : إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام .
الجواب : الحمد لله أولاً : الآثار الواردة في فتنة الموتى في قبورهم سبعة أيام هي - فيما وقفنا عليه - ثلاثة : الأثر الأول : عن طاوس اليماني رحمه الله (المتوفى سنة 101هـ) قال : " إِنَّ الْمَوْتَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ سَبْعًا ، فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُمْ تِلْكَ الْأَيَّامِ " رواه الإمام أحمد بن حنبل في " الزهد " – كما عزاه الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية " (5/330)، والسيوطي في " الحاوي للفتاوي " (2/216) ولكني لم أجده في النسخة المطبوعة – ورواه من طريق الإمام أحمد الحافظ أبو نعيم في " حلية الأولياء " (4/11)، وذلك من طريق هاشم بن القاسم ، ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، قال : قال طاوس فذكره . وهذا إسناد صحيح إلى طاوس ، الأشجعي هو عبيد الله بن عبيد الرحمن (بالتصغير في الاسم واسم الأب)، ثقة مأمون ، كما في " تهذيب التهذيب " (7/35)، وسفيان هو الثوري ، الإمام الحافظ المشهور . يقول الإمام السيوطي رحمه الله : " رجال الإسناد رجال الصحيح ، وطاوس من كبار التابعين ، قال أبو نعيم في الحلية : هو أول الطبقة من أهل اليمن ، وروى أبو نعيم عنه أنه قال: أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسفيان هو الثوري ، وقد أدرك طاوسا ، فإن وفاة طاوس سنة بضع عشرة ومائة في أحد الأقوال ، ومولد سفيان سنة سبع وتسعين ، إلا أن أكثر روايته عنه بواسطة " انتهى من " الحاوي " (2/216)
الأثر الثاني : عن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي رحمه الله ( المتوفى سنة 68هـ) قال : " يفتن رجلان مؤمن ومنافق ، فأما المؤمن فيفتن سبعا ، وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا " رواه ابن جريج في " المصنف " عن الحارث بن أبي الحارث ، عن عبيد بن عمير – كذا قال السيوطي في " الحاوي " (2/216) -. الحارث بن أبي الحارث لم نعرف من هو في هذا الإسناد ، فإن كان هو الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب الدوسي – كما قال السيوطي في " الحاوي " (2/216) – ففيه كلام ، لأن أبا حاتم قال فيه : ليس بقوي ، ووثقه ابن حبان ، وقال أبو زرعة : ليس به بأس . وأما عبيد بن عمير فأكثر الحفاظ على أنه من التابعين ، وليس من الصحابة ، إذ لم تثبت له رؤية للنبي صلى الله عليه وسلم . ينظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (7/71) قال العجلي رحمه الله : " من كبار التابعين " انتهى من " الثقات " (321) ويقول ابن عبد البر رحمه الله : " ذكر البخاري أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره مسلم بن الحجاج فيمن ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو معدود في كبار التابعين " انتهى من " الاستيعاب " (3/1018)، وانظر " الإصابة " (5/47) والخلاصة أن الأثر من مراسيل عبيد بن عمير ، وفي الإسناد إليه مقال .
الأثر الثالث : عن مجاهد بن جبر رحمه الله (المتوفى سنة 101هـ-104هـ) قال : " إن الموتى كانوا يفتنون في قبورهم سبعاً ، فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام " عزاه الحافظ ابن رجب في " أهوال القبور " (ص/16) إلى مجاهد من غير ذكر مصدره ، ولم نجده مسنداً ، وكذلك قال السيوطي رحمه الله : " لم أَقف على سَنَده " انتهى من " الديباج شرح صحيح مسلم " (2/491)
ثانيا : احتج بعض العلماء بهذه الآثار على أن مدة فتنة المؤمنين في قبورهم سبعة أيام ، حتى ألف الإمام السيوطي رحمه الله في ذلك رسالة صغيرة بعنون " الثريا في إظهار ما كان خفيا "، يتلخص تقريره للدليل في وجهين : الوجه الأول : أنها مراسيل عدة تتقوى باجتماعها . الوجه الثاني : أنها تتعلق بأمور الآخرة والغيب التي ليس للعقل فيها مجال ، فتأخذ حكم المرفوع ويحتج بها . يقول السيوطي رحمه الله : " المقرر في فن الحديث والأصول أن ما روي مما لا مجال للرأي فيه كأمور البرزخ والآخرة فإن حكمه الرفع لا الوقف ، وإن لم يصرح الراوي بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " الحاوي " (2/217) ثم أطال النقول عن المحدثين في تقرير هذه القاعدة ، ثم قال : " هذا كله إذا صدر ذلك من الصحابي ، فيكون مرفوعا متصلا . فإن صدر ذلك من التابعي فهو مرفوع مرسل ، كما ذكر ابن الصلاح ذلك في نظير المسألة ، وصرح البيهقي في هذه المسألة بخصوصها ، فإنه أخرج في شعب الإيمان بسنده عن أبي قلابة قال : في الجنة قصر لصوام رجب . ثم قال : هذا القول عن أبي قلابة ، وهو من التابعين ، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ ممن فوقه عمن يأتيه الوحي . وروى الإمام مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول : إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها ، ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله . قال ابن عبد البر : هذا له حكم المرفوع ؛ إذ يستحيل أن يكون مثله رأيا ، ويحيى بن سعيد من صغار التابعين . وهذا الأثر الذي نحن فيه من ذلك ، فإنه من أحوال البرزخ التي لا مدخل للرأي والاجتهاد فيها ، ولا طريق إلى معرفتها إلا بالتوقيف والبلاغ عمن يأتيه الوحي ، وقد قال ذلك عبيد بن عمير وطاوس ، وهما من كبار التابعين ، فيكون حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل ، وإن ثبتت صحبة عبيد بن عمير فحكمه حكم المرفوع المتصل.... وبالجملة فالحكم على مثل هذا بالرفع من الأمور التي أجمع عليها أهل الحديث . إذا تقرر أن أثر طاوس حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل ، وإسناده إلى التابعي صحيح ، كان حجة عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد مطلقا من غير شرط ، وأما عند الإمام الشافعي رضي الله عنه فإنه يحتج بالمرسل إذا اعتضد بأحد أمور مقررة في محلها ، منها مجيء آخر أو صحابي يوافقه ، والاعتضاد هاهنا موجود ، فإنه روي مثله عن مجاهد ، وعن عبيد بن عمير ، وهما تابعيان إن لم يكن عبيد صحابيا ، فهذان مرسلان آخران يعضدان المرسل الأول . إن قال قائل : لم يرد في سائر الأحاديث تصريح بذكر سبعة أيام . قلنا : ولا ورد فيها تصريح بنفيها ، ولا تعرض لكون الفتنة مرة أو أكثر ، بل هي مطلقة صادقة بالمرة وبأكثر ، فإذا ورد ذكر السبعة من طريق مقبول وجب قبوله ، وكان عند أهل الحديث من باب زيادات الثقات المقبولة ، وعند أهل الأصول من باب حمل المطلق على المقيد . إن قيل : فما الحكمة في هذا العدد بخصوصه ؟ فالجواب : أن السبع والثلاث لهما نظر في الشرع...فلما كانت هذه الفتنة أشد فتنة تعرض على المؤمن جعل تكريرها سبعا ؛ لأنه أشد نوعي التكرير وأبلغه " انتهى باختصار من " الحاوي " (2/220-222) وكذلك يقول الإمام السفاريني رحمه الله – مصححاً إسناد أثر طاوس -: " إسناد صحيح إلا أنه مرسل ، وروي من وجه متصل أيضاً ، وحكمه الرفع لأنه ليس للرأي فيه مجال " انتهى من " لوامع الأنوار البهية " (2/9)
ثالثا : ونحن نقول إن تقرير الإمام السيوطي رحمه الله قد يعتريه الضعف من ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن أثر طاوس اليماني رحمه الله هو الذي يسلم إسناده فقط ، أما ما روي عن عبيد بن عمير ففي إسناده ضعف ، وأثر مجاهد لم نقف له على أصل ، لذلك لا يبقى سوى ما ورد عن طاوس ، وبهذا تفقد الآثار قوتها الجمعية . الوجه الثاني : إذا خالف الأثر ظاهر الأحاديث النبوية الصحيحة ، فالأصوب أن نجعل الأحاديث قاضية عليه ، لا أن نمنحه حكم الرفع والحجية ؛ ذلك أن الأحاديث الكثيرة الواردة في بيان فتنة القبر وسؤال الملائكة ظاهرة الدلالة على أن ذلك يقع مرة واحدة ، ولا يستغرق ذلك سبعة أيام ، أو لا يتكرر سبع مرات ، وأشهرها حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم – في وصف فتنة المؤمن في قبره - : ( يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِيَ الْإِسْلَامُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَيَقُولَانِ : وَمَا يُدْرِيكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ) رواه أبو داود (4753) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " وهكذا أيضا أحاديث كثيرة في وصف فتنة القبر ؛ ليس فيها أي دلالة من قريب أو بعيد على دوام ذلك سبعة أيام كاملة للمؤمن ، وأربعين للمنافق . ولهذا فإن إعمال قاعدة " حكم الرفع لآثار الصحابة والتابعين " لا يبدو له وجه قوي في هذا المحل ، بل الأولى والأصوب السكوت حيث سكتت السنة ، والإيمان حيث نطقت وصرحت .
الوجه الثالث : أننا لم نجد في كتب الفقهاء المعتمدة ما ينص على استحباب الإطعام عن الميت سبعة أيام متوالية ، كما لم نقف على من يقرر ما قرره السيوطي لدى أحد من أهل العلم ، مما يبعث في النفس التردد البالغ من تقريره . رابعا : ثم على فرض الأخذ بما قرره السيوطي ، فإنه رحمه الله لم يقرر ذلك على وجه الجزم واليقين إلى درجة الإنكار على المخالف ، أو الحكم بالذنب والتقصير إذا لم يتم الإطعام عن الميت سبعة أيام كاملة ، وإنما يرجح استحبابه على وجه الاستئناس والتفضيل لمن وجد السعة والإعانة على ذلك ، أما أن يصبح الإطعام سبعة أيام عادة يشق بها أهل المتوفى على أنفسهم ، ويتعرضون للانتقاد من الناس إذا لم يفعلوا ذلك : فلا نعرف أحدا من العلماء يقبل ذلك فيما اطلعنا . والله أعلم .
ضع ردك هنا
هل ثبت أن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً ، فيستحب الإطعام عنهم تلك الأيام ؟